في سلسلة بديعة يكتب العالم و الأديب المصري الأستاذ الدكتور جابر قميحة عن رحلته المديدة بإذن الله في حضن اللغة العربية و عنونها بذلك العنوان سبعون عاما في حضن اللغة العربية و تنشر في رابطة أدباء الشام. و من هذه السلسلة نقتطف بعضا من ثمار و زهور هذه الرحلة الطيبة وخرجت من سنة الكتاب بفوائد متعددة ، منها:
1 حفظ قدر طيب من القرآن الكريم .
2 نمو غريزتي الاجتماعية بمخالطتي للتلاميذ في مثل سني.
3 القدرة والتدفق في التلاوة دون هيبة .
4 الشعور بالاعتزاز النفسي ؛ إذ كنت أصغر طفل في الأسرة وربما في الكتاب . وكانت أمي تقول: " جابر حبيبي آخر العنقود " ،أنها لم تنجب بعدي
5 الصبر وتحمل خشونة الكتاب في الجلسة والشرب ، والتعامل القاسي بالمقرعة أحيانا .
فسنة الكتاب كان لا بد منها كنوع من التدريب الطيب الذي يسهل مسيرتي في حضن اللغة العربية .
وكان يحلو لي أن أجلس في الحجرة الداخلية من الحجرتين وهي حجرة النوم فأشهد البحيرة في الليالي القمراء ، وأقرأ بصوت مسموع بعض شعر المتنبي، وخصوصا ميميته الملحمية في مدح سيف الدولة ، ومطلعها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم _ وتعظم في عين الصغار صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
وما يقال عن الشعر يقال كذلك عن الأدب بصفة عامة . وأحمد لك أن سألتني عما يمكن أن أوجهه للشباب " المتأدب " حتى يكون أديبا . ومما أوجهك إليه :
1 الإكثار من القراءة ، وهي نوعان : النوع الأول قراءة متخصصة في الأدب، والنوع الثاني قراءة معرفية، أو موسوعية ، فعلى الأديب أن يتزود بعدد من المعارف في العلوم المختلفة ... الإنسانية ، والعلمية .
2 الثقة بالنفس ، والاعتزاز بها دون غرور ، مع التواضع دون ضعة .
3 عرض الأعمال على عدد من النقاد ، وعدم الاكتفاء بالرأي الواحد .
وأنا على يقين أنه سيأتي اليوم الذي تكون فيه " أديبا " له وجود ؛ فنحن الأدباء والنقاد سرنا في طريق التدرج ، من الضعيف ... إلى القوي ... إلى الأقوى. فلا تيأس ، وفقك الله .
وإعجابي بشعره بصفة عامة ألهمني مطولتي التي نظمتها بعد أكثر من نصف قرن بعنوان " رسالة إلى بغداد " ، وقد بلغت أربعة وخمسين بيتا ، وصدرتها ::
فيا صاحبي أين وجهُ الصباح
أسـدّوُا مسارحَ ليلِ العراق
وخـلْف الضلوعِ زفيرٌ أبَى
وأين غدٌ؟! صفْ لعيني غدا
أم صـبـغـوا فجرَه أسودا؟
- وقد برد الليل - أن يبْردا
كان أمل والدي أن يراني طبيبًا، ولكن حبي للأدب واللغة العربية دفعني للالتحاق بشعبة "أدبي"،
و من الحلقة السادسة عشرة إلى الإسماعيلية بلد النضال والجمال
(الصورة المرفقة من مدينة الإسماعيلية)
وأغلب مساكن ما يسمى " الحي الإفرنجي " بالاسماعيلية على هيئة " فيلات " ، تنتظم على ترعة الاسماعيلية في نظام بديع ، وكثير من هذه الفيلات اتخذه مرشدو هيئة القناة وكبار موظفيها سكنا ومقاما . كانت الحدائق هي متنفس أهل المدينة ، وكانت الخضرة التى تفرش هذه الحدائق زاهية حية.
إنها الإسماعيلية بلد الجمال الساحر ، والخضرة والنظافة ، وهي حقيقة تصدق على الشوارع والبيوت والحدائق . وأشهر الحدائق : " حدائق الملاح " . وهي حدائق واسعة تمتد في زهو على بحيرة التمساح ، فكانت الخضرة الزاهية تلتقي في حنو مع المياة الزرقاء . وتمتد كذلك ترعة الإسماعيلية إلى أن تصل إلى مستشفى هيئة قناة السويس ، والأهالي يسمون هذه المنطقة " نمرة 6 " . وعلى بعد النظر ترتمي قارة أسيا ، في بداية سيناء من أرض مصر .