يخطئ خطأ كبيرا من يظن أن اللغة العربية هي لغة العرب وحدهم، بل هي لغة المسلمين على اختلاف أجناسهم وألسنتهم وألوانهم، وحق العربي فيها ليس أكثر من حق الفارسي، والتركي، والمغربي، والأندلسي، والهندي، وكل من كان الإسلام دينه، والقرآن كتابه. هي لغة العرب والعجم، هي لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأنها لغة المسلمين: عجما وعربا، نالت عنايتهم كلهم، على تفاوت بينهم في ذلك. ولم يكن نصيب غير العرب من المسلمين بأقل من نصيب العرب، فالأعاجم هم من طور هذه اللغة؛ فقعدوا قواعدها، وأصلوا أصولها، وأنشأوا حولها منظومة من المعارف والفنون والعلوم، من نحو، وصرف، وبلاغة، وبيان، وبديع، وغيرها... وهم إن فعلوا ذلك فإنما كان قصدهم منه خدمة الدين بخدمة لغة الدين، التي هي العربية، والتي لا يمكن فهم نصوصه، الفهم الصحيح، إلا بالتمكن من اللغة التي نزل بها الوحي. فكل أمة دانت بالإسلام من غير أهل جزيرة العرب، كانت بين خيارين:
فإما أن تدين بالإسلام، ثم لا تلبث أن تطرح ماضيها كله من لغة ودين، ثم تتخذ العربية لغتها والإسلام دينها، وتخالط حملة هذا الدين، وتمازجهم حتى تختفي كل مظاهر الجنس أو أكثره، إلا بقايا تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد، وهو ما حدث في العراق، والشام، ومصر، وبلاد المغرب والأندلس.
وإما أن تدين بالإسلام، وتعد العربية لغتها الأولى، وتحتفظ بشيء من لغتها، وهو ما حدث في فارس، والهند، وبعض قبائل الترك والأكراد، وفي كل مكان تعالى فيه نداء المؤذن: "الله أكبر".
الفصحى لسان الشريعة:
القرآن الكريم، كلام الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، كما هو وكما وصل إلينا بالتواتر، والتوارث، الذي منع عن أي لفظ فيه أن يدخله تغيير أو تبديل، مرتبط أشد الارتباط، ليس فقط بعقائد المسلم وعباداته، بل بتشريعه واقتصاده، وعلمه، وفلسفته، وجهاده، وتفاصيل حياته اليومية، وبخطرات نفسه، ولمحات تفكيره، وآداب معاشرته لأصدقائه، وأهل بيته، وولده، وعشيرته، فلا يكاد يوجد شيء في حياة الإنسان المسلم إلا وله في القرآن هدي هو نص، أو هو استنباط من النص.