محمد إدريس
عندما يتحدث علماء الاجتماع والتاريخ عن النهضة وبناء الحضارة، فإنهم عادة ما يتحدثون عن عدة عوامل وليس عن عامل واحد. وهذا أمر بديهي، إذ أن الأمم لا تتقدم ولا تأسس حضارات إلا إذا توافرت عوامل قد يختلف المنظرون على تحديدها دون أن يختلفوا على تعددها. وقد يقول قائل أن ابن خلدون ركز في مقدمته على أهمية ما أسماه العصبية كعامل رئيسي في بناء الدولة، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك عوامل أخرى ذكرها ابن خلدون ومؤرخون غيره. وقد تتفاوت تلك العوامل في درجة أهميتها، ولكن لا يمكن لأحدها أن ينفرد بمهمة بناء أية حضارة.
وكما أن هناك عوامل تبعث على تأسيس الحضارات، فإن هناك عوامل تسهم في إعاقة بناء الحضارات. وعوامل التخلف تلك متعددة حالها حال عوامل النهضة. وأحد عوامل التأخر التغريب وتقليد الآخرين الأعمى في الكثير من جوانب حياتهم. ومن ذلك تبني لغاتهم في بعض مجالات الحياة، أي التغريب اللغوي، وهو ما تحاول هذه المدونة تبيان أعراضه، ومحاولة علاجه وإيضاح سبل الوقاية منه.
وعليه ينبغي على الجميع أن يدركوا أن التغريب اللغوي أحد أوجه التغريب الذي هو أحد عوامل التخلف، فهو جزء من جزء من كل. ولذلك فإن علينا ألا نتوهم أن التعريب سوف يحل جميع مشاكلنا كما يحاول بعض مناصري التعريب أن يظهروا، وهم لا يقومون بذلك إلا على سبيل المبالغة التي يهدفون من خلالها إلى تنبيه الناس إلى مخاطر التغريب.
وأنا من خلال هذه المدونة أحاول أن أسهم في مقاومة التغريب اللغوي الذي هو جزء من التغريب ككل والذي هو واحد من عوامل التخلف كما ذكرت، وأنا أهتم بذلك الجزء دون غيره لا لشيء إلا لأنني متخصص في علوم اللغة ولا ليس من الحكمة أن أدس أنفي في مناقشة علوم ومجالات أخرى لا أعرف منها إلا القشور، اللهم إلا فيما اتصل من تلك العلوم بعلوم اللغة.